الجمعة، 18 مارس 2022

اليسار والماضي المُقدّس

كنت قد كتبت في منشور لي على حسابي على فيسبوك أن من سلبيات الفكر أو المَرض اليساري الذي أصابنا في القرن الماضي وشكّل وصَبغ كل تفصيلة في حياتنا هو الحِس الثوري المرافق له، والذي جعلنا نرى ونميّز ونقرأ كل شيء حولنا بطريقة ثورية، فالتغيير أصبح ثورة على الواقع، أما اكتساب المزيد من الحقوق للمرأة في المجتمع تحول إلى حراك ثوري نسوي  .. إلخ 

ومن التفاصيل السلبية الأخرى المميزة جداً للوباء اليساري الذي أصابنا هو مسألة تقديس وتأليه الماضي وتحقير كل ما هو جديد ووصفه بالسفه. أنا لا أُنكر أبداً أهمية وضرورة نقد الواقع ولكن الداء اليساري لا يجعلنا ننقد الواقع بل يجعلنا نكفر بالواقع تماماً .. فمثلا ستلاحظون أننا تعوّدنا -بسبب الطاعون اليساري- تقديس طه حسين ونجيب محفوظ والعقّاد وكل هذه الأسماء الكبيرة -وهي كبيرة بالطبع- ولكن الأمر يتجاوز التقدير العادي والطبيعي لشخصيات أسهمت في عالم الفكر والثقافة والأدب ويتحول النظر إليهم إلى نوع من التقديس والتأليه الذي يُفقدنا تماما الموضوعية ويُفقدنا أن نقرأهم في زمانهم وظروفهم وملابسات سطوعهم كنجوم في سماء الفكر والثقافة والأدب في القرن الماضي.

والأمر ينطبق تقريباً في كل المجالات .. فأم كلثوم تحوّلت إلى إله فوق سبع سماوات في عالم الفن والأغنية، أما عبد الوهاب فاصبح نبي في عالم الموسيقى والألحان، أما عبد الحليم فتحوّل إلى مُعجزة فوق النقد أو حتى محاولة التقليد .. وفي نفس الوقت كل ما هو جديد في عالم الأغنية والموسيقى فهو بالضرورة تافه ولن يستطيع مهما حاول اصحابه أو اجتهدوا أن يصلوا إلى أمجاد الماضي، فعلى سبيل الذكر لا الحصر كانوا يشنون هجوما حاداً على عمرو دياب وطريقة ملابسه الجديدة في الثمانينات والتسعينات، واليوم يتهمون ويجز بأنه يشوّه صورة مصر والمصريين ويُسيء للفن المصري. 

اليسار والماضي المقدس - اسماعيل محمد
اليسار والماضي المقدس - اسماعيل محمد الموقع الشخصي والمدوّنة
خطورة الأمر أعتقد أنها تضاعفت وظهرت بشكل أكثر وضوحاً عندما بدأ مارد الصحوة الإسلامية بالاستيقاظ في مجتمعاتنا المُصابة بالطاعون اليساري، فالماضي لم يصبح عظيم ومفقود ولن يأتي مثله فقط بل أصبحت الشخصيات التاريخية البعيدة مُقدسة وفوق النقد بل وليسوا بشراً مثلنا! ، فلم تعد شخصيات كخالد بن وليد شخصيات عسكرية لها انتصارتها في عصرها وزمانها كالإسكندر الأكبر على سبيل المثال، بل أصبحت هذه الشخصيات الإسلامية عبقريات لم ولن يأتي مثلها، واعتقد أن هذه النظرة ربما تكون السبب وراء خيبات الأمل التي تصيبنا بعد كل محاولة فاشلة لتطوير الخطاب والفكر الديني .. كيف نطوّر شيء نراه كاملاً ومكتملاً وفوق مستوى النقد او الشبهات؟! 

ما أريد أن أقوله هو أن الفكر اليساري وكل تطبيقاته المصاحبة له هو ما شكّل وعينا في القرن العشرين، ولا يزال هذا الوعي مستمر معنا حتى اليوم، ولهذا الفكر -كما ذكرت- سلبيات كثيرة انعكست على كل مجالات الحياة، بما فيها حتى المجال الاقتصادي الذي لا يستطيع أحد أن ينكر على سبيل المثال الأثر التدميري لتطبيق مثل "الدعم" على مصر، ونحاول على يد الرئيس عبد الفتاح السيسي تحرير اقتصادنا من الفلسفات الاقتصادية اليسارية ولكن يبقى السؤال الأهم من وجهة نظري .. هل حررنا عقولنا من سطوة وسلطة وسيطرة الأفكار والفلسفات اليسارية؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحلة الخمسينات والستينات هي مرحلة الصعود السريع للهاوية

مرحلة الخمسينات والستينات هي المرحلة المؤسسة للإنهيار الحضاري والأخلاقي اللي احنا عايشينه النهردة في مصر .. وأغلب الناس اللي شايفنها مرحلة ر...